أسباب نقص المغنيسيوم في الجسم

أسباب نقص المغنيسيوم في الجسم

يُعدّ المغنيسيوم من المعادن الأساسية التي تدخل في مئات التفاعلات الكيميائية الحيوية داخل جسم الإنسان، بما في ذلك إنتاج الطاقة، تنظيم وظيفة العضلات والأعصاب، دعم صحة القلب، والحفاظ على قوة العظام. وعلى الرغم من توفر هذا المعدن في العديد من الأطعمة، إلا أن نقصه لا يزال شائعاً في مختلف الفئات العمرية، وقد يكون النقص خفيفاً في بعض الأحيان، أو شديداً ومهدداً للحياة في حالات أخرى. إن فهم الأسباب المؤدية إلى نقص المغنيسيوم يمثل خطوة حيوية في الوقاية والعلاج، خاصة وأن النقص قد يكون خفياً لفترة طويلة قبل أن تظهر الأعراض.

يتناول هذا المقال الموسّع الأسباب المتعددة لنقص المغنيسيوم في الجسم، مع توضيح الخلفيات الفسيولوجية والطبية التي تسهم في تطوّر هذه الحالة، وتحليل الفئات الأكثر عرضة لهذا النقص، مع توثيق ذلك من خلال الدراسات السريرية والمعطيات الحديثة.

أولاً: الأسباب الغذائية لنقص المغنيسيوم

1. التغذية غير المتوازنة

السبب الأكثر شيوعاً لنقص المغنيسيوم هو قلة تناول الأطعمة الغنية به، نتيجة نمط غذائي غير متوازن. تميل الأنظمة الغذائية الحديثة إلى الإكثار من الأطعمة المعالجة والمكرّرة التي تحتوي على كميات ضئيلة جداً من المغنيسيوم. كما أن الاعتماد على الأطعمة السريعة أو الأغذية منخفضة القيمة الغذائية (مثل الوجبات السريعة والمخبوزات البيضاء) يساهم بشكل كبير في استنزاف مستويات هذا المعدن.

2. اتباع حميات غذائية صارمة

الحميات التي تعتمد على تقليل السعرات الحرارية أو تقييد بعض المجموعات الغذائية (مثل الحميات النباتية الصارمة أو الكيتونية بدون تخطيط دقيق) قد تؤدي إلى نقص المغنيسيوم، خاصة إذا لم يتم تعويض هذا النقص بالمكملات الغذائية.

3. استهلاك الكافيين والمشروبات الغازية

الكافيين الموجود في القهوة والشاي والمشروبات الغازية يعمل كمدرّ للبول، مما يزيد من طرح المغنيسيوم عن طريق البول. كما أن الفوسفات الموجود في المشروبات الغازية قد يقلل من امتصاص المغنيسيوم في الأمعاء.

ثانياً: الأسباب المرتبطة بسوء الامتصاص

1. أمراض الجهاز الهضمي

الأمراض المزمنة التي تؤثر على الجهاز الهضمي تُعد من الأسباب البارزة لنقص المغنيسيوم، وتشمل:

• داء كرون والتهاب القولون التقرحي: يؤديان إلى تآكل بطانة الأمعاء وتقليل كفاءة الامتصاص.

• الاضطرابات الهضمية (الداء الزلاقي): تؤدي إلى تلف الزغابات المعوية المسؤولة عن امتصاص المغذيات.

• الإسهال المزمن: يُفقد الجسم كميات كبيرة من المغنيسيوم من خلال البراز، ويمنع امتصاصه الكافي.

• الاستئصال الجراحي للأمعاء الدقيقة أو جزء منها: يحد من السطح الماص للمغذيات، ومن ضمنها المغنيسيوم.

2. أمراض البنكرياس والكبد

قد تؤثر الاضطرابات المزمنة في الكبد والبنكرياس، كالتليف الكبدي والتهاب البنكرياس المزمن، على امتصاص المغنيسيوم من خلال التأثير على الهضم وامتصاص الدهون، التي يذوب فيها المغنيسيوم جزئياً.

ثالثاً: الأسباب الفسيولوجية والهرمونية

1. الحمل والرضاعة

تتزايد حاجة الجسم للمغنيسيوم خلال فترتي الحمل والرضاعة، حيث يُستهلك بشكل أكبر من قبل الجنين والأم على حد سواء. وقد يؤدي ذلك إلى انخفاض مستوياته في الدم إذا لم تتم موازنة الحاجة بزيادة المدخول الغذائي.

2. الشيخوخة

مع التقدم في السن، تضعف كفاءة الامتصاص المعوي وتقل الكفاءة الكلوية في الحفاظ على المغنيسيوم، مما يؤدي إلى تراكم النقص تدريجياً. كما أن كبار السن أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة وتناول أدوية تؤثر على مستويات المغنيسيوم.

رابعاً: الأسباب الدوائية

تؤدي بعض الأدوية الشائعة إلى تقليل امتصاص المغنيسيوم أو زيادة طرحه الكلوي، وتشمل:

خامساً: الأسباب المرتبطة بنقص مغذيات أخرى

1. نقص فيتامين D

يؤثر فيتامين D على امتصاص المغنيسيوم في الأمعاء. كما أن وجود خلل في توازن فيتامين D قد يؤدي إلى اضطراب في مستويات المغنيسيوم بشكل غير مباشر.

2. نقص الكالسيوم

الكالسيوم والمغنيسيوم يشتركان في العديد من الوظائف الفسيولوجية. وقد يؤدي نقص الكالسيوم إلى تفاقم نقص المغنيسيوم، والعكس صحيح.

سادساً: العوامل السلوكية والبيئية

1. الإجهاد المزمن

يؤدي التوتر والإجهاد المزمن إلى استنزاف مستويات المغنيسيوم في الجسم، نظراً لتأثيره على الهرمونات (مثل الكورتيزول) التي تزيد من طرحه عبر الكلى.

2. النشاط البدني المفرط

الرياضيون أو الأفراد الذين يمارسون تمارين عالية الكثافة يفقدون كميات كبيرة من المغنيسيوم عبر التعرق، خاصة في حال عدم تعويض ذلك بالتغذية أو المكملات المناسبة.

سابعاً: الأسباب الوراثية والوراثية المكتسبة

1. الأمراض الوراثية النادرة

تشمل بعض الحالات الوراثية النادرة التي تسبب نقص المغنيسيوم:

• متلازمة جِتلمان: تؤثر على الكلى وتسبب فقدان المغنيسيوم والصوديوم والبوتاسيوم.

• متلازمة بارتر: تؤدي إلى خلل في الأنابيب الكلوية وفقد المغذيات.

• فرط المغنيسيوم البولي الوراثي: يسبب فقدان شديد ومستمر للمغنيسيوم عن طريق البول.

2. التغيرات الجينية المكتسبة

بعض الأشخاص يحملون متغيرات جينية تؤثر على بروتينات تنظيم امتصاص المغنيسيوم (مثل TRPM6)، مما يؤدي إلى نقص مزمن في هذا العنصر رغم تناول كميات كافية منه.

ثامناً: أسباب متعلقة بالكلى

الكلى تلعب دوراً محورياً في الحفاظ على توازن المغنيسيوم. أي خلل في وظيفتها قد يؤدي إلى فقد مفرط للمغنيسيوم، ومن أبرز هذه الحالات:

• القصور الكلوي الحاد والمزمن: قد يؤدي إلى اختلال في إعادة امتصاص المغنيسيوم.

• مرض السكري: ارتفاع نسبة السكر في الدم يؤدي إلى زيادة طرح المغنيسيوم مع البول.

• التحمّض الكلوي الأنبوبي: يؤدي إلى خلل في توازن الشوارد ومنها المغنيسيوم.

تاسعاً: الإدمان على الكحول

الإفراط في استهلاك الكحول يُعد من أكثر الأسباب إهمالاً ولكن تأثيره بالغ على مستويات المغنيسيوم. الكحول يثبط امتصاص المغنيسيوم، ويزيد من فقده عبر البول، كما يسبب التهابات مزمنة في الجهاز الهضمي التي تعيق امتصاصه، بالإضافة إلى التأثير السلبي على الكبد والكلى.

عاشراً: الحروق والجراحات الكبرى

في حالات الحروق الكبيرة أو الإصابات الجسدية الشديدة أو العمليات الجراحية الواسعة، يتم استهلاك المغنيسيوم بكميات كبيرة ضمن عملية التئام الأنسجة، كما يزيد فقدانه من خلال النزف أو الإفرازات الجسدية، مما يؤدي إلى هبوط حاد في مستوياته.

خلاصة جدولية لأهم الأسباب

تتعدد أسباب نقص المغنيسيوم وتتشابك بين ما هو غذائي، وما هو مرضي أو دوائي أو حتى سلوكي، الأمر الذي يفرض ضرورة التعامل مع هذا النقص بشكل شامل يعتمد على تقييم العوامل الشخصية والفسيولوجية والطبية للمريض. إن الوقاية تبدأ أولاً بالوعي بهذه الأسباب، ومن ثم تعديل النظام الغذائي والسلوكي، ومتابعة الحالات الطبية المرتبطة بها. ويُعدّ التشخيص الدقيق حجر الأساس في توجيه العلاج وتعويض النقص، تفادياً للمضاعفات العصبية والعضلية والقلبية التي قد تنجم عن استمرار هذا النقص دون تدخل.

المراجع:

1. Volpe, SL. (2013). Magnesium in disease prevention and overall health. Advances in Nutrition, 4(3), 378S-383S.

2. Gröber, U., Schmidt, J., & Kisters, K. (2015). Magnesium in prevention and therapy. Nutrients, 7(9), 8199–8226.